فصل: الحديث السِّتُّونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع بعد الْخمسين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمسيء صلَاته: ثمَّ ارْفَعْ حَتَّى تعتدل قَائِما».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي أول الْبَاب.

.الحديث الخَامِس بعد الْخمسين:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه إِذا افْتتح الصَّلَاة، وَإِذا كبر للرُّكُوع، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رفعهما كَذَلِك وَقَالَ: سمع الله لمن حَمده رَبنَا، وَلَك الْحَمد».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي أَوَائِل الْبَاب، وَفِي فصل الرُّكُوع قَالَ الرَّافِعِيّ: وروينا فِي خبر ابْن عمر: «رَبنَا لَك الْحَمد» بِإِسْقَاط الْوَاو وبإثباتها وَالرِّوَايَتَانِ مَعًا صحيحتان. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَصَحَّ أَيْضا «اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد» بِإِثْبَات الْوَاو وبحذفها وَفِي صَحِيح أبي عوَانَة: «اللَّهُمَّ لَك الْحَمد» وَفِي السّنَن الصِّحَاح لِابْنِ السكن عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: من قَالَ: رَبنَا، قَالَ: وَلَك الْحَمد، وَمن قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا، قَالَ: لَك الْحَمد.
فَائِدَة: قَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلت أَبَا عَمْرو عَن الْوَاو فِي قَوْله: «رَبنَا وَلَك الْحَمد» فَقَالَ: هِيَ زَائِدَة؛ تَقول الْعَرَب: بِعني هَذَا الثَّوْب، فَيَقُول الْمُخَاطب: نعم وهُوَ لَك بدرهم؛ فالواو زَائِدَة. وَيحْتَمل كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: إِنَّهَا عاطفة عَلَى مَحْذُوف. أَي رَبنَا أطعناك وحمدناك وَلَك الْحَمد، وَمَعْنى سمع الله لمن حَمده: أجَاب دُعَاء من حَمده، فَوضع السّمع مَوضِع الْإِجَابَة كَمَا جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث: «اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من دُعَاء لَا يسمع» أَي: لَا يعْتد بِهِ وَلَا يُسْتَجَاب؛ فَكَأَنَّهُ غير مسموع، قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي، كَمَا نقل عَن الصغاني فِي مجمعه.

.الحديث السَّادِس بعد الْخمسين:

عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: سمع الله لمن حَمده، اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور سَوَاء وَزَاد فِي آخِره «اللَّهُمَّ طهرني بالثلج وَالْبرد وَالْمَاء الْبَارِد، اللَّهُمَّ طهرني من الذُّنُوب والخطايا كَمَا ينقي الثَّوْب الْأَبْيَض من الْوَسخ». وَفِي لفظ «من الدَّرن». وَفِي لفظ «من الدنس».
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: قَوْله «ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض» تقريب وَالْمرَاد تَكْثِير الْعدَد حَتَّى لَو قدر ذَلِك وَكَانَ جسمًا لملأ ذَلِك، وَيحْتَمل أَن المُرَاد بذلك أجرهَا، وَيحْتَمل أَن المُرَاد بهَا التَّعْظِيم لقدرها لَا كَثْرَة عَددهَا، كَمَا يُقَال هَذِه كلمة تملأ طباق الأَرْض. وَكَانَ ابْن خالويه يرجح فتح الْهمزَة من ملْء، والزجاج يرَى الرّفْع فِيهَا وَكِلَاهُمَا جَائِز كَمَا قَرَّرَهُ ابْن خالويه فِي مُصَنفه فِي ذَلِك وَلَكِن الْمَعْرُوف فِي رِوَايَات الحَدِيث كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب وَعزا إِلَى الْجُمْهُور النصب. وَهُوَ عَلَى الْحَال؛ أَي: مالئًا تَقْدِيره لَو كَانَ جسمًا لملأ ذَلِك، وَقَوله: وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد كَمَا قيل: ملْء الْكُرْسِيّ وَمَا غمض عَن إِدْرَاك الْعباد لَهُ قَالَ تَعَالَى: {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض}.

.الحديث السَّابِع بعد الْخمسين:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول مَعَ الدُّعَاء الْمَذْكُور فِي الحَدِيث قبله: أهل الثَّنَاء وَالْمجد حق مَا قَالَ العَبْد- كلنا لَك عبد- لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد».
هَذَا الحَدِيث هَكَذَا أوردهُ الرَّافِعِيّ من هَذَا الْوَجْه، وَهُوَ غَرِيب لَا أعلم من خرجه من طَرِيقه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ، وَهُوَ مَعْرُوف من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس وَأبي جُحَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. أما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد، أهل الثَّنَاء وَالْمجد، أَحَق مَا قَالَ العَبْد وكلنَا لَك عبد اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد».
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «لَا نَازع» بدل «لَا مَانع» وَلَيْسَ فِي رِوَايَته «وَلَا معطي لما منعت».
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ أَيْضا عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد...» إِلَى قَوْله: «وَالْمجد، لَا مَانع لما أَعْطَيْت...» إِلَى آخِره.
وَأما حَدِيث أبي جُحَيْفَة فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث شريك، عَن أبي عمر قَالَ: سمعتُ أَبَا جُحَيْفَة يَقُول: «ذكرت الجدود عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة. فَقَالَ رجل: جد فلَان فِي الْخَيل، وَقَالَ آخر: جد فلَان فِي الْإِبِل، وَقَالَ آخر: جد فلَان فِي الْغنم، وَقَالَ آخر: جد فلَان فِي الرَّقِيق، فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته وَرفع رَأسه من آخر الرَّكْعَة قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد. وَطول رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته بالجد ليعلموا أَنه لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ».
تَنْبِيهَانِ:
الأول: وَقع فِي الْمُهَذّب إِسْقَاط الْألف فِي «أَحَق» والْوَاو فِي «وكلنَا» وَهُوَ كَذَلِك فِي سنَن النَّسَائِيّ وَهُوَ يرد قَول النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الَّذِي رَوَاهُ سَائِر الْمُحدثين بإثباتهما، وَأَن الْوَاقِع فِي كتب الْفُقَهَاء بإسقاطهما، وَقد تعرض القَاضِي الْحُسَيْن فِي تَعْلِيقه للروايتين.
وَقد أوضحت كل ذَلِك فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط فَرَاجعه مِنْهُ.
الثَّانِي: فِي ضبط أَلْفَاظ وَقعت فِي الحَدِيث وإعرابها والتنبيه عَلَى مَعَانِيهَا، وَقد أوضحت كل ذَلِك فِي لُغَات «الْمِنْهَاج» فَرَاجعهَا مِنْهُ.

.الحديث الثَّامِن بعد الْخمسين:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت شهرا يَدْعُو عَلَى قاتلي أَصْحَابه ببئر مَعُونَة ثمَّ ترك، فَأَما فِي الصُّبْح فَلم يزل يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طرق ثَلَاثَة عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس لَفظه فِي أَحدهَا: كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ ذكره من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى، عَن أبي جَعْفَر بِهِ وَلَفظه فِي ثَانِيهَا: «مَا زَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي الْفجْر حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» ذكره من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي جَعْفَر بِهِ. وَفِي ثَالِثهَا: عَن الرّبيع بن أنس: «كنت جَالِسا عِنْد أنس فَقيل لَهُ: إِنَّمَا قنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا. فَقَالَ: مَا زَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» ذكره من طَرِيق أبي نعيم، عَن أبي جَعْفَر بِهِ. وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ كَمَا سلف.
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب من حَدِيث جَعْفَر الْأَحْمَر، عَن أبي جَعْفَر، عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: «كنت عِنْد أنس بن مَالك فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: مَا تَقول فِي الْقُنُوت؟ فبدره رجل فَقَالَ: قنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا. فَقَالَ أنس: لَيْسَ كَمَا تَقول؛ قنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَبضه الله- عَزَّ وَجَلَّ». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي جَعْفَر، عَن الرّبيع بن أنس، عَن أنس قَالَ: «مَا زَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى السالف، ثمَّ من حَدِيث أبي نعيم السالف أَيْضا ثمَّ قَالَ أَبُو عبد الله- يَعْنِي الْحَاكِم-: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح سَنَده، ثِقَة رُوَاته. وَالربيع بن أنس تَابِعِيّ مَعْرُوف من أهل الْبَصْرَة سمع أنسا ورَوَى عَنهُ ابْن الْمُبَارك وَغَيره، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَن الرّبيع بن أنس فَقَالَ: صَدُوق ثِقَة. زَاد غَيره عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: ذاكرت بِهِ بعض الْحفاظ فَقَالَ: غير الرّبيع بن أنس فَمَا زلت أتأمل التواريخ وأقاويل الْأَئِمَّة فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَلم أجد أحدا طعن فِيهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: بَصرِي صَدُوق. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
قلت: وَأما أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عِيسَى بن ماهان فقد اخْتلف فِيهِ، فَقَالَ الإِمَام أَحْمد: صَالح الحَدِيث. كَذَا رَوَاهُ حَنْبَل عَنهُ، وَأخرج الحَدِيث وَصَححهُ من جِهَته، وَقَالَ عبد الله ابْنه عَنهُ: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ الْحَازِمِي فِي ناسخه ومنسوخه: وَالرِّوَايَة الأولَى عَن الإِمَام أَحْمد أولَى ويؤكدها إِخْرَاجه حَدِيثه فِي مُسْنده وَعَن يَحْيَى فِيهِ رِوَايَات: أَحدهَا: ثِقَة، قَالَه إِسْحَاق بن مَنْصُور عَنهُ. ثَانِيهَا: يكْتب حَدِيثه لكنه يُخطئ، قَالَه ابْن أبي مَرْيَم عَنهُ. ثَالِثهَا: صَالح، قَالَه ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ. رَابِعهَا: ثِقَة وَهُوَ يغلط فِيمَا يروي عَن مُغيرَة، قَالَه الدوري عَنهُ. وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ من رِوَايَته عَن مُغيرَة. خَامِسهَا: صَدُوق لَيْسَ بمتقن، قَالَه السَّاجِي عَنهُ. وَذكره الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي عَن السَّاجِي نَفسه، وَإِنَّمَا ذكره رِوَايَة، كَذَا هُوَ فِي جرحه وتعديله. وَكَذَا نَقله عَنهُ ابْن حزم. وَاخْتلف النَّقْل فِيهِ عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ، فَقَالَ مرّة: هُوَ نَحْو مُوسَى بن عُبَيْدَة، يخلط فِيمَا رَوَى عَن مُغيرَة وَنَحْوه. وَقَالَ مرّة: كَانَ عندنَا ثِقَة، وَهَذِه رِوَايَة مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَنهُ، وَالْأولَى رِوَايَة وَلَده عَنهُ. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار الْموصِلِي: ثِقَة. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي الفلاس فِيهِ: صَدُوق وَهُوَ من أهل الصدْق سيئ الْحِفْظ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ يهم كثيرا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة صَدُوق صَالح الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: سيئ الْحِفْظ صَدُوق. وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ أَحَادِيث صَالِحَة، وَقد رَوَى عَنهُ النَّاس، وَأَحَادِيثه عامتها مُسْتَقِيمَة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة، وَكَانَ يقدم بَغْدَاد يسمعُونَ مِنْهُ. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي بَاب صَلَاة الْكُسُوف: البُخَارِيّ وَمُسلم قد هجرا أَبَا جَعْفَر الرَّازِيّ وَلم يخرجَا عَنهُ، وحاله عِنْد سَائِر الْأَئِمَّة أحسن الْحَال. وَقَالَ مرّة: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي «الِاسْتِغْنَاء»: هُوَ عِنْدهم ثِقَة عَالم بتفسير الْقُرْآن. وَذكره ابْن شاهين فِي ثقاته وَقَالَ الْحَازِمِي فِي ناسخه ومنسوخه: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَأَبُو جَعْفَر ثِقَة. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام بعد أَن أخرج الحَدِيث فِيهِ: فِي إِسْنَاده أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ وَقد وَثَّقَهُ غير وَاحِد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هَذَا حَدِيث قد حكم بِصِحَّتِهِ غير وَاحِد من حفاظ الحَدِيث، مِنْهُم: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَلّي الْبَلْخِي من أَئِمَّة الحَدِيث، وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم، وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ. وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي خلاصته: هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ جماعات من الْحفاظ وصححوه، ثمَّ ذكر أَن هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرهم ابْن الصّلاح من جملَة من صَححهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من طرق بأسانيد صَحِيحَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي مفهمه: الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ أَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُنُوت مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس... فَذكر الحَدِيث. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فأعله فِي علله المتناهية وتَحْقِيقه بِأبي جَعْفَر هَذَا نصْرَة لمذهبه، وَنقل كَلَام من ضعفه فَقَط وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ، وَاقْتصر عَلَى رِوَايَة من رَوَى التَّضْعِيف عَن أَحْمد وَابْن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين، وَمَا هَذَا فعل الْمنصف، عَلَى أَن حَدِيث أنس هَذَا من هَذَا الْوَجْه لم يتفرد بِهِ عِيسَى بن ماهان بل لَهُ طرق أُخْرَى غَيره ذكرتها مُوضحَة فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب يتَعَيَّن عَلَيْك مراجعتها مِنْهُ، وَذكرت فِيهِ أَن بَعضهم وهم فَعَزاهُ إِلَى مُسلم، وَأَن النَّوَوِيّ عزاهُ إِلَى الْمُسْتَدْرك وَلَيْسَ فِيهِ وبينت سَبَب وهمه فِي ذَلِك.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ الْقُنُوت فِي الصُّبْح أَيْضا عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْعَوام بن حَمْزَة قَالَ: «سَأَلت أَبَا عُثْمَان عَن الْقُنُوت فِي الصُّبْح قَالَ: بعد الرُّكُوع. قلت:
عَمَّن؟ قَالَ: عَن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان»
.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده حسن، ورَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَيْضا من طرق، وَرَوَى أَيْضا عَن عبد الله بن معقل بِفَتْح الْمِيم وَإِسْكَان الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف- التَّابِعِيّ قَالَ: قنت عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الْفجْر قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا عَن عَلّي صَحِيح مَشْهُور.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: قَوْله: بِئْر مَعُونَة- بالنُّون- قَالَ الْحَازِمِي: فِي «المؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن»: بِئْر مَعُونَة بَين جبال يُقَال لَهَا: أبلى فِي طَرِيق المصعد من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة وَهِي لبني سليم، قَالَه الْكِنْدِيّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَاء لبني عَامر بن صعصعة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: هَذِه الْبِئْر فِي أَرض بني سُليم وَبني كلاب. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: هِيَ بَين أَرض بني عَامر وحرة بني سليم، كلا البلدين مِنْهَا قريب، وَهِي من بني سُليم أقرب.
ثَانِيهَا: قَوْله فِي الحَدِيث السالف «ثمَّ تَركه». المُرَاد ترك الدُّعَاء عَلَى أُولَئِكَ الْكفَّار ولعنهم فَقَط، لَا ترك جَمِيع الْقُنُوت أَو ترك الْقُنُوت فِي غير الصُّبْح، وَهَذَا التَّأْوِيل مُتَعَيّن؛ لِأَن حَدِيث أنس بعده «لم يزل يقنت فِي الصُّبْح حَتَّى فَارق الدُّنْيَا» صَحِيح صَرِيح، فَيتَعَيَّن الْجمع بَينهمَا. وَقد رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الإِمَام أَنه قَالَ: إِنَّمَا ترك اللَّعْن. وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَن أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت بعد الرُّكُوع فِي صلَاته شهرا يَدْعُو لفُلَان وَفُلَان ثمَّ ترك الدُّعَاء لَهُم». وَمَعْنى لفُلَان: عَلَى فلَان، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن أسأتم فلهَا} أَي: فعلَيْهَا، قَالَ أَصْحَابنَا: الَّذين رووا إِثْبَات الْقُنُوت أَكثر وَمَعَهُمْ زِيَادَة علم، فَتقدم روايتهم.
ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما مَا عدا الصُّبْح من الْفَرَائِض فَإِن نزل بِالْمُسْلِمين نازلة من وباء أَو قحط، فيقنت فِيهَا أَيْضا فِي الِاعْتِدَال عَن رُكُوع الرَّكْعَة الْأَخِيرَة كَمَا فعل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث بِئْر مَعُونَة عَلَى مَا سبق، وَإِن لم تنزل نازلة فَفِيهِ قَولَانِ: أصَحهمَا لَا يقنت؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ترك الْقُنُوت فِيهَا. انْتَهَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لما عَلمته. وَبَوَّبَ الْبَيْهَقِيّ ترك الْقُنُوت فِي سَائِر الصَّلَوَات غير الصُّبْح عِنْد ارْتِفَاع النَّازِلَة وَفِي صَلَاة الصُّبْح لقوم أَو عَلَى قوم بِأَسْمَائِهِمْ أَو قبائلهم. ثمَّ ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول حِين يفرغ من صَلَاة الْفجْر من الْقِرَاءَة وَيكبر وَيرْفَع رَأسه: سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد ثمَّ يَقُول وَهُوَ قَائِم: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك عَلَى مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم كَسِنِي يُوسُف، اللَّهُمَّ الْعَن لحيان وَرِعْلًا وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله» ثمَّ بلغنَا أَنه ترك ذَلِك لما نزلت {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء}. وَفِي لفظ لَهُ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قنت بعد الرُّكُوع فِي صلَاته شهرا إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده يَقُول فِي قنوته: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد، اللَّهُمَّ نج سَلمَة بن هِشَام، اللَّهُمَّ نج عَيَّاش بن أبي ربيعَة...» الحَدِيث. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الدُّعَاء بعد، فَقلت: أرَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الدُّعَاء لَهُم قَالَ: فَقيل: وَمَا تراهم قد قدمُوا؟» وَأخرج البُخَارِيّ ذَلِك أَيْضا، وَانْتَهَى حَدِيثه عِنْد الْآيَة، وَلم يذكرهَا الْبَيْهَقِيّ كَذَا، ثمَّ ذكر بعد ذَلِك حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قنت شهرا يَدْعُو عَلَى أَحيَاء من أَحيَاء الْعَرَب ثمَّ تَركه» وَعَزاهُ إِلَى مُسلم، وَذكر عقبه قَول ابْن مهْدي السالف.

.الحديث التَّاسِع بعد الْخمسين:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت بعد رفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عبد الله بن مُعَاوِيَة الجُمَحِي، ثَنَا ثَابت بن يزِيد، عَن هِلَال بن خباب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «قنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا مُتَتَابِعًا فِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَصَلَاة الصُّبْح فِي دبر كل صَلَاة، إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة، يَدْعُو عَلَى أَحيَاء من سُليم؛ عَلَى رعل وذكوان وَعصيَّة ويؤمِّن من خَلفه».
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، عَن عَفَّان، ثَنَا ثَابت بِهِ، وثابت هَذَا هُوَ الأودي الْأَحول الثِّقَة وهلال بن خباب رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَة. وَقَالَ ابْن حبَان: اخْتَلَط فِي آخر عمره. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث حسن، وَكَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب. وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِسْنَاده حسن أَو صَحِيح.

.الحديث السِّتُّونَ:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت بعد رفع رَأسه من الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلّي صِحَّته كَمَا سبق فِي التَّنْبِيه الثَّالِث السالف قَرِيبا. وَفِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ الصَّحِيحَة أَن أنس بن مَالك رَوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ذَلِك، وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت شهرا بعد الرُّكُوع يَدْعُو عَلَى أَحيَاء من الْعَرَب ثمَّ تَركه»، وَقَوله: «ثمَّ تَركه» قد سلف تَأْوِيله. وَفِي البُخَارِيّ مثل هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عمر، وَفِي مُسلم مثله من حَدِيث خفاف بن إِيمَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رُوَاة الْقُنُوت بعد الرّفْع أَكثر وأحفظ، وَعَلِيهِ درج الْخُلَفَاء الراشدون فِي أشهر الرِّوَايَات عَنْهُم وأكثرها. وَفِي الكنى لأبي أَحْمد الْحَاكِم عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث قَالَ: سَمِعت خَالِدا العَبْد يَقُول: قَالَ الْحسن: «صليت خلف ثَمَانِيَة وَعشْرين بدريًّا كلهم يقنت فِي الصُّبْح بعد الرُّكُوع». وَقَالَ الْأَثْرَم: قلت لِأَحْمَد يَقُول أحد فِي حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قنت قبل الرُّكُوع» غير عَاصِم الْأَحول؟ فَقَالَ: مَا علمت أحدا يَقُوله غَيره خالفهم كلهم هِشَام عَن قَتَادَة، والتيمي عَن أبي مجلز، وَأَيوب عَن ابْن سِيرِين، وَغير وَاحِد عَن حَنْظَلَة السدُوسِي كلهم، عَن أنس «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت بعد الرُّكُوع». قيل لِأَحْمَد: سَائِر الْأَحَادِيث إِنَّمَا هِيَ بعد الرُّكُوع؟ قَالَ: بلَى، خفاف بن إِيمَاء وَأَبُو هُرَيْرَة. وَفِي سنَن ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أنس «وَسُئِلَ عَن الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح أقبل الرُّكُوع أم بعد؟ فَقَالَ: كِلَاهُمَا قد كُنَّا نَفْعل؛ قبل وَبعد» قَالَ: أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح لَا مطْعن عَلَى أحد من رُوَاته بِوَجْه.

.الحديث الحَادِي بعد السِّتين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت فِي الصُّبْح بِهَذَا الدُّعَاء وَهُوَ: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَعَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وقني شَرّ مَا قضيت؛ إِنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت».
قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا الْقدر يرْوَى عَن الْحسن بن عَلّي عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ، فَأَما أَحْمد فَرَوَاهُ عَن وَكِيع، نَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن بريد- بِالْبَاء الْمُوَحدَة- ابْن أبي مَرْيَم السَّلُولي، عَن أبي الْحَوْرَاء- بِالْحَاء الْمُهْملَة- واسْمه ربيعَة بن شَيبَان، عَن الْحسن بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر اللَّهُمَّ اهدني...» فَذكره إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإنَّك تقضي» بِإِثْبَات الْفَاء، وَإِسْقَاط الْوَاو من قَوْله: «وَإنَّهُ لَا يذل من واليت».
وَأما أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فأخرجاه كَذَلِك لَكِن بِإِسْقَاط الْفَاء وَالْوَاو وَأخرجه التِّرْمِذِيّ كَذَلِك أَيْضا لَكِن بِإِثْبَات الْوَاو، وَقَالُوا: «فِي الْوتر» بدل قَوْله «فِي قنوت الْوتر».
وَأما ابْن مَاجَه فَرَوَاهُ بِلَفْظ: عَلمنِي جدي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر: «اللَّهُمَّ عَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، واهدني فِيمَن هديت، وقني شَرّ مَا قضيت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، إِنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إِنَّه لَا يذل من واليت، سُبْحَانَكَ رَبنَا تَبَارَكت وَتَعَالَيْت».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ: وَلَا نَعْرِف عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُنُوت فِي الْوتر شَيْئا أحسن من هَذَا. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام وَهُوَ مِمَّا ألزم الشَّيْخَانِ تَخْرِيجه.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن أبي الْحَوْرَاء، عَن الْحسن أَو الْحُسَيْن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي الْقُنُوت اللَّهُمَّ اهدني...» فَذكره بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ إِلَّا أَنه أسقط الْفَاء من «فَإنَّك» وَزَاد: «وَلَا يعز من عاديت». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا قَالَ فِي أصل كِتَابه: عَن الْحسن أَو الْحُسَيْن بن عَلّي فكأنَّ الشَّك لم يَقع فِي الْحسن أَو الْحُسَيْن بن عَلّي وَإِنَّمَا وَقع فِي الْإِطْلَاق أَو النِّسْبَة، وَكَانَ فِي أصل كِتَابه هَذِه الزِّيَادَة «وَلَا يعز من عاديت».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب المناقب مِنْهُ فِي تَرْجَمَة الْحسن من طَرِيق أُخْرَى، رَوَاهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، عَن عَمه مُوسَى بن عقبَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وتري إِذا رفعت رَأْسِي وَلم يبْق إِلَّا السُّجُود: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَعَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وقني شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، إِنَّه لَا يذل من واليت، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم إِلَّا أَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير قد خَالف إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن أبي الْحَوْرَاء، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات فِي الْوتر: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وقني شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنه أَيْضا من طرق، فَفِي بَعْضهَا بالسند الْمَذْكُور، قَالَ بريد: «فَذكرت ذَلِك لمُحَمد ابْن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ: إِنَّه الدُّعَاء الَّذِي كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي صَلَاة الْفجْر فِي قنوته» وَفِي بَعْضهَا من حَدِيث عبد الْمجِيد بن أبي رواد عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز أَن بريد بن أبي مَرْيَم أخبرهُ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس وَمُحَمّد بن عَلّي هُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة بالخيف يَقُولَانِ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح وَفِي وتر اللَّيْل بهؤلاء الْكَلِمَات» فَذكره كَمَا سلف إِلَّا أَنه لم يذكر «وَلَا يعز من عاديت». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، نَا ابْن جريج، عَن ابْن هُرْمُز، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا دُعَاء نَدْعُو بِهِ فِي الْقُنُوت من صَلَاة الصُّبْح: اللَّهُمَّ اهدنا فِيمَن هديت...» الحَدِيث، إِلَّا أَنه قَالَ: «وتولنا» و«بَارك لنا» و«قِنَا». ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ مخلد بن يزِيد الْحَرَّانِي، عَن ابْن جريج. فَذكر رِوَايَة بريد مُرْسلَة فِي تَعْلِيم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد ابْني ابْنَته هَذَا الدُّعَاء فِي وتره ثمَّ قَالَ بريد: سَمِعت ابْن الْحَنَفِيَّة وَابْن عَبَّاس يَقُولَانِ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولهَا فِي قنوت اللَّيْل» قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو صَفْوَان الْأمَوِي، عَن ابْن جريج إِلَّا أَنه قَالَ: عَن عبد الله بن هُرْمُز، وَقَالَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن الْحَنَفِيَّة «فِي قنوت صَلَاة الصُّبْح» قَالَ: فصح بِهَذَا كُله أَن تَعْلِيمه هَذَا الدُّعَاء وَقع لقنوت صَلَاة الصُّبْح وقنوت الْوتر، فَإِن بريدًا أَخذ الحَدِيث من الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرناهما.
قلت: فصح حِينَئِذٍ دَعْوَى الرَّافِعِيّ أَن ذَلِك كَانَ فِي الصُّبْح، وَخَالف أَبُو حَاتِم بن حبَان فضعف حَدِيث الْحسن بِمَا تشاحح فِيهِ فَقَالَ فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ: ذِكْرُ خبر عدُول نقلته، يُوهم عَالما أَن الْمُصْطَفَى علم الْحسن بن عَلّي دُعَاء الْقُنُوت، ثمَّ سَاقه بِإِسْنَادِهِ كَمَا أسلفناه عَن السّنَن الْأَرْبَعَة ثمَّ قَالَ: هَذَا خبر رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم وسَمعه ابناه إِسْرَائِيل وَيُونُس، عَن أَبِيهِمَا، وَعَن بريد بن أبي مَرْيَم، وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي كَانَ مدلسًا لَا يصغر عَن بريد بن أبي مَرْيَم بل هُوَ أَعلَى إِسْنَادًا مِنْهُ، وَلَكِن لَا نَدْرِي أسمع هَذَا الْخَبَر من بريد أم لَا؟ قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر» لَيست بمحفوظة؛ لِأَن الْحسن بن عَلّي قُبِضَ الْمُصْطَفَى وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، فَكيف يعلم الْمُصْطَفَى ابْن ثَمَان سِنِين دُعَاء الْقُنُوت فِي الْوتر وَيتْرك أولي الأحلام والنهى من الصَّحَابَة ولَا يَأْمُرهُم بِهِ. قَالَ: وَشعْبَة بن الْحجَّاج أحفظ من مِائَتَيْنِ مثل أبي إِسْحَاق وابنيه، وَقد رَوَى هَذَا الْخَبَر عَن بريد بن أبي مَرْيَم من غير ذكر الْقُنُوت وَلَا الْوتر فِيهِ وَإِنَّمَا قَالَ: «كَانَ يعلمنَا هَذَا الدُّعَاء» وَقد سَمعه من بريد بن أبي مَرْيَم مرَارًا، فَلَو كَانَت هَذِه اللَّفْظَة مَحْفُوظَة لبادر بهَا شُعْبَة فِي خَبره إِذْ الإتقان بِهِ أَحْرَى والضبط للإسناد بِهِ أولَى من أبي إِسْحَاق وابنيه. هَذَا آخر كَلَامه. وَأخرجه فِي صَحِيحه من غير ذكر الْقُنُوت وَلَا الْوتر، رَوَاهُ من حَدِيث شُعْبَة عَن بريد، عَن أبي الْحَوْرَاء. قَالَ: قلت لِلْحسنِ: مَا تذكر من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أذكر أَنِّي أخذت تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة فجعلتها فِي فيَّ فانتزعها بلعابها فطرحها فِي التَّمْر، وَكَانَ يعلمنَا هَذَا الدُّعَاء «اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت» فَذكره إِلَى قَوْله: «إِنَّه لَا يذل من واليت». قَالَ شُعْبَة: وَأَظنهُ قَالَ: «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت». ثمَّ قَالَ: اسْم أبي الْحَوْرَاء ربيعَة بن شَيبَان، وَأَبُو الجوزاء اسْمه أَوْس بن عبد الله هما جَمِيعًا تابعيان بصريان وَأخرجه أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده سَوَاء وَقَالَ: وَرُبمَا قَالَ: «تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت». بدل: وَأَظنهُ. ثمَّ رَوَاهُ بِلَفْظ ابْن حبَان وَزَاد: وَقَالَ شُعْبَة: وَقد حَدثنِي من سمع هَذِه مِنْهُ. ثمَّ إِن شُعْبَة حدث بِهَذَا الحَدِيث مخرجه إِلَى الْمهْدي بعد موت أَبِيه فَلم يشك فِي «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت». فَقيل لشعبة: إِنَّك تشك فِيهِ. فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ شكّ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَورد فِي حَدِيث الْحسن بن عَلّي أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعد «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت: وَصَلى الله عَلَى النَّبِي وَسلم».
قلت: رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة النَّسَائِيّ فِي سنَنه من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة، عَن عبد الله بن عَلّي، عَن الْحسن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوتر قَالَ: قل اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وتولني فِيمَن توليت، وقني بِرَحْمَتك شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإنَّهُ لَا يذل من واليت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت وَصَلى الله عَلَى النَّبِي» وَعَزاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه إِلَيْهِ بِلَفْظ «وَصَلى الله عَلَى النَّبِي مُحَمَّد». وَهَذِه الزِّيَادَة وهِيَ «مُحَمَّد» لم أرها فِي الحَدِيث، وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ زِيَادَة «وَسلم». وَلم أرها أَيْضا فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَزَاد الْعلمَاء فِي الْقُنُوت «وَلَا يعز من عاديت» قبل «تَبَارَكت وَتَعَالَيْت».
قلت: هَذَا غَرِيب تبع فِيهِ ابْن الصّباغ فَإِنَّهُ قَالَ فِي «شامله»: إِن بعض النَّاس زَاد فِيهِ ذَلِك. فَهَذِهِ الزِّيَادَة فِي نَفْس الحَدِيث كَمَا أسلفتها لَك بإسنادها عَن الْبَيْهَقِيّ وَادَّعَى النووى فِي خلاصته أَن الْبَيْهَقِيّ رَوَاهَا بِسَنَد ضَعِيف، وَقد أسلفت لَك السَّنَد وَلم يظْهر لي ضعفه، وَتَبعهُ ابْن الرّفْعَة- فِيمَا أَظن- فَقَالَ فِي مطلبه: لم تثبت الرِّوَايَة بهَا. وَتبع النَّوَوِيّ فِي روضته الرَّافِعِيّ فِي نَقله هَذِه الزِّيَادَة عَن الْعلمَاء لكنه أنكرهُ عَلَيْهِ فِي شرح الْمُهَذّب.
فَائِدَة: هَذَا الْقُنُوت الَّذِي قَرَّرْنَاهُ اشْتهر بقنوت الْحسن واستفيد أَيْضا أَنه رُوِيَ عَن الْحُسَيْن أَيْضا أَخِيه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده فِي تَرْجَمَة الْحُسَيْن فَقَالَ يزِيد: أَنا شريك بن عبد الله، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد بن أبي مَرْيَم، عَن أبي الْحَوْرَاء، عَن الْحُسَيْن بن عَلّي قَالَ: «عَلمنِي جدي- أَو قَالَ: النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي الْوتر...» فَذكر الحَدِيث.